الزعيم الصربي الشعبوي القومي فوتسيتس محشور في الزاوية هذه المدة، وذلك بمناسبة الغزو الروسي لأوكرانيا.

في 3 أبريل هناك انتخابات بلدية ونيابية ورئاسية في صربيا وعلى الرئيس أن يختار جهة يقف معها. الحرب في أوكرانيا يمكن أن تحسم النتيجة – بالتأكيد ستؤثر فيها – وذلك حسب موقفه. هل يقف مع بوتين أم مع الغربيين ؟

حتى اليوم نجح في أن يدوس  بقدميه في مركبَي الغرب وروسيا. وكان فخورًا بهذا مظهرًا صورة الزعيم الذي له صداقات مع جميع الأقوياء لمصلحة أمته – ومصلحته بالطبع – لكن الآن جاءت اللحظة التي يجب أن يقرر فيها مع من سيقف وعن أي جهة سيتخلى، وفي هذا الأمر يشعر أن سكينًا تقترب من رقبته.

” هل يمكنكم أن تتخيلوا مقدار الضغوطات التي ستمارس على صربيا بالنسبة للعقوبات على روسيا؟ جاءتني اتصالات كثيرة جدًا. الذي عشته خلال الأيام الماضية يظهر لنا ما ينتظرنا”، قال الرئيس الصربي بمناسبة الاعتراف بالمناطق الروسية في أوكرانيا ثم الغزو الروسي لأوكرانيا.

يرأس فوتسيس أكثر بلد مقرب من روسيا في أوروبا بعد روسيا البيضاء برئاسة لوكاشينكو، لكن هذا البلد مرشح لعضوية الاتحاد الأوروبي في الوقت نفسه، وتغذي اقتصاده استثماراتٌ غربية هامة. فيما توفر روسيا لصربيا مقابل ” حضنها الجيوبوليتيكي” الغاز الطبيعي والنفط وأسلحة رخيصة الثمن، والأهم من كل ذلك دعمها الدولي في مسألة كوسوفا.

وإن كانت القرابة السلافية والمذهب الأرثوذوكسي المشترك والمظلة الجيوبوليتيكية للحماية تجعل من بوتين أكثر زعيم محبوب لدى الشعب الصربي، فإن قسمًا كبيرًا من المجتمع، خاصة الشباب، يتطلع إلى الغرب وطريقته في المعيشة، ما يجعل صربيا بلدًا منقسمًأ. ومع اقتراب الانتخابات يحاول فوتسيتس الموازنة بين ضغوطات الغربيين من جهة وضغوطات موسكو من جهة أخرى، و”عين” الهيئة الانتخابية.

فقد قرر ألا يشارك في العقوبات على روسيا، وفي الوقت نفسه تجنب إدانة الغزو الروسي بشكل مباشر. وقال إن ” صربيا تؤيد احترام وحدة أراضي أوكرانيا وترى من الخطأ الكبير تعكير وحدة أراضيها من طرف روسيا”. لكن الأمور يمكن أن تصبح صعبة وأن تأخذ مجرى سيئًا بالنسبة لبلغراد والبلقان بسبب العدوانية الروسية في أوكرانيا.

فتهديدات لافروف بأن الحرب يمكن أن تنتقل إلى البلقان زادت المخاوف بشأن عملية زعزعة روسية للمنطقة فيما قوة أوروبية للسلام في البوسنة التي تم دعمها بقوة بلغارية، أعلنت أن فرنسا ستقوم بطلعات تدريبية بسرعات كبيرة بمقاتلات حربية في سماء البوسنة وأن حاملة الطائرات “شارل دي غول” تجوب البحر الأدرياتيكي، قبالة كرواتيا. بلدان البلقان بأجمعها، كل بطريقته، تستعد لهكذا احتمال.

لو أراد بوتين فعلا إشعال “القنبلة” البلقانية، يمكن أن يقوم بذلك عبر الصرب فقط. تمسك بلغراد ب “علبة الكبريت” و”جهاز الإطفاء” في أكثر مكانين خطيرين تشتعل النار فيهما ببطء في المنطقة، أي البوسنة والهرسك وكوسوفا.

موسكو اعترضت بشدة على طلب البوسنة الانضمام إلى حلف ناتو وهددت بأن ترد في حال بدأت العملية. وتماشى معها صرب البوسنة بقيادة زعيمهم ميلوراد دوديك صديق موسكو الحميم، الذي يهدد بالانفصال بالقسم الصربي من البوسنة، وهو ما يعني – حال حصوله – انهيار اتفاقية دايتون ووضع “دومينو” البلقان في مخاطر كبيرة.

دوديك لا يستطيع أن يتحرك دون إذن فوتسيتس الذي فرض عليه الصمت في هذه المرحلة. لكنه لا يستطيع رفض طلب بوتين في حال أمره بتحريك الأحداث في البلقان. بلغراد تحتاج بشدة الفيتو الروسي في مجلس الأمن لمنع تسجيل كوسوفا في الأمم المتحدة، فيما ميلها مع الغرب، عكس رغبات “الأخ الأكبر” سوف يؤدي إلى اضطرابها داخليًا نظرًا للتيار الميال إلى الروس وهو الغالب في المجتمع الصربي.

ضغوط الغربيين تزداد على الصرب. فالغربيون يخافون أن تستخدم موسكو تأثيرها وآلياتها – وأقواها بلغراد – لكي تسبب أزمة في البلقان، وهم يطلبون بحزم من فوتسيتس أن يوضح موقفه.

إضافة إلى البوسنة، تحاول كوسوفا الانضمام إلى حلف ناتو، وفي حال تحقيق أيُ نجاح في هذا الأمر، فإن بلغراد لن تستطيع التدخل في الأمور الداخلية للبلدين.

بكلام آخر لن يستطيع فوتسيتس تهديد كوسوفا بجيشه لحماية العناصر الصربية داخله، عندما يكون في وجهه حلف ناتو بالفقرة رقم 5 ذات العلاقة بالتضامن بين دول الحلف. كذلك لن يستطيع دوديك التهديد وفقًا لمزاجه بتفكيك البوسنة التي تتجسد فيها توازنات البلقان الإثنية والدينية الحساسة.

بهذا الخصوص طلب 19 عضوا في الكونغرس الأمريكي من وزير الخارجية أدوني بلينكن تسريع مسيرة دول غرب البلقان نحو حلف ناتو، مشددين على أن “روسيا تلعب من مدة دور مثير التوترات ومصدر التضليل الإعلامي في المنطقة، لا سيما محاولتها عام 2016 القيام بانقلاب في الجبل الأسود”.

صحيفة كاثيميريني اليونانية

اترك تعليقاً