مسيّرة أكشونغور التركية. المصدر: ويكي بيديا.

.

قبل أيام عقد في وزارة الدفاع اجتماع غير عادي، بمشاركة عسكريين. دار الحوار حول الطريقة التي تستغل بها أنقرة الطائرات المسيرة بهدف توسيع حضورها الدبلوماسي حتى في مناطق كان تأثيرها فيها محدودًا أو شبه معدوم. ليست هذه المرة الأولى. ففريق وزير الخارجية ذيندياس كان انشغل في الماضي بظاهرة المسيّرات التركية، لكنّ تصديرها المتزايد خلال الأشهر الأخيرة، خاصة طراز ” بيرقدار تي بي 2″، يدخل أنقرة بشكل أعمق في سلسلة من المحاور الإقليمية للصراعات ويعزز ثقلها النوعي.

فبعد سوريا وليبيا وقره باغ والدونباص في أوكرانيا، أصبحت المسيّرات التركية تستعمل من قبل الحكومة الإثيوبية ضد الحركة الانفصالية في مقاطعة تيغراي. التمدد التركي في أثيوبيا، وهي دولة مسيحية بشكل أساسي، ترى اليونان أن لها معها روابط طبيعية، هو مؤشر على نجاعة ” دبلوماسية المسيّرات”.

قبل أيام قليلة (18/12) نظمت الرئاسة التركية لقاء (تركيا-إفريقيا) حيث ادعى رجب طيب أردوغان أن أنقرة ترغب في المساعدة لتضميد “جراح الاستعمار”. في هذه المناسبة ظهر الاهتمام ب ” التقنية التركية ” من طرف نيجيريا كذلك. وفي حال تمّ تنفيذ هذه الاتفاقيات أيضًا، فإن تركيا ستكون قد بدأت بالتقدم في منطقة الصحراء الإفريقية، بعد نجاحاتها في المغرب وتونس.

وبعيدًا عن اهتمام وسط إفريقيا ووسط آسيا (تركمانستان، قيرغستان) بالمسيرات التركية، وكذلك البلاد الصديقة تقليديًا مع تركيا (ألبانيا)، يشغل أثينا بالطبع قرار بولندا شراء “بيرقدار بي تي 2” وكذلك احتمال تزود لاتفيا والمجر بها.

من الواضح أن أثينا لا تستطيع أن تتدخل في اختيارات التسلح لحلفائها في الاتحاد الأوروبي. والنتيجة أن أنقرة تكسب بالتدريج علاقة وثيقة جدًا مع دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي وحلف ناتو، خاصة تلك التي تقف مكشوفة أمام العدوانية الروسية. ليس من باب المصادفة أن أنقرة استغلت باحتراف حضور المسيرات التركية في الجبهة الأوكرانية وفي قره باغ، حيث واجهت الأنظمة روسية الصنع. بالطبع الذي يتمّ السكوت عنه بشكل كبير في جبهة قره باغ هو أن القوات المسلحة الأرمنية لم تكن تنقصها التقنيات فحسب، بل كان لديها ضعف تكتيكي هائل.

وزير الخارجية ذيندياس كان منذ البداية نشطًا بشكل كبير في محاولة الدبلوماسية اليونانية لإظهار الأخطار الحقيقية الكامنة وراء عدوانية تركيا، التي لا تنحصر في التهديدات الخطابية، بل تمتد إلى التدخل في الجبهات، حيث تختار طرفًا في النزاع وتسلحه. بهذا المعنى، فالتدخل التركي في إفريقيا لا يشبه التدخل الصيني – على قاعدة غربية واحدة – هي أنه ذو طابع اقتصادي بحت.

في بدايات العام الجديد يخطط ذيندياس للسفر من جديد إلى إفريقيا، هذه المرة إلى نيجيريا وأنغولا ومن المؤكد أنه إضافة إلى دبلوماسية اللقاحات اليونانية، سوف يشرح وجهة نظره حول “دبلوماسية المسيرات” التركية غير البريئة تمامًا. الانفتاح الإفريقي ليس موسميًا بالنسبة لأثينا، وكما تشير المعطيات فسوف يستمر بقوة، رغم الصعوبات الموضوعية بسبب الإجراءات للحد من وباء كورونا.

نشاط المسيرات التركية في بحر إيجه تمّ إدخاله في يوميات المخاوف الثابتة للقوات المسلحة. النشاط لديه مواصفات تصعيدية معينة كما لوحظ في السنتين الأخيرتين. في البداية كان يجري استعمال المسيرات التركية من قبل القوات التركية المسلحة بهدف نقل صورة الحالة في شرق بحر إيجه، وتمّ استغلال نشاطها بشكل كبير من البحرية الحربية وسلاح الطيران وهيئة الأركان العامة للدفاع الوطني خلال أزمة ” ريّس عروج” (أغسطس – نوفمبر 2020) وكذلك في إيفروس (الحدود الشمالية البرية بين تركيا واليونان). اليوم أصبحت المسيّرات التركية تستخدم بشكل يومي تقريبًا لاختراق المجال الجوي الوطني. بموازاة ذلك، تصل تلك المسيرات أحيانا إلى المجال الجوي الدولي وحتى وسط بحر إيجه، حيث تقوم بعملياتها بشكل طبيعي، وذلك بمراقبة وثيقة من البحرية الحربية اليونانية، التي أصبحت تتابع كذلك عمليات الرقابة عبر أنظمتها وكذلك عبر أنظمة هيرون الإسرائيلية المتمركزة في جزيرة سكيروس. والذي يجري هو أن مشغّلي مسيرات بيرقدار يطلبون من أثينا إذن عبور في المجال الجوي الوطني، وهذا الطلب يقابل بالرفض عبر عملية واضحة (مسيرات بيرقدار هي حربية لا تجارية) ثم يقومون بالتجاوز المعهود.

أنظمة مواجهة

الاستغلال العملياتي المتزايد لمسيرات بيرقدار وكذلك إدماج أنظمة أشد فتكًا بكثير في القوات التركية المسلحة، مثل “أكشونغور” و”آكينجي” هو السبب الأساسي الذي أملى على أثينا قرار التزود بأنظمة لمواجهة المسيرات، وذلك عبر عملية محاطة بكثير من السرية، إذ إن هذه المحادثات تتضمن كذلك الحاجة إلى نقل المعرفة التقنية.

المصدر: صحيفة كاثيميريني اليونانية

اترك تعليقاً